بعد اربعه اعوام من الانتفاضه السوريه التى تحولت الى حرب ضروس الجميع يتسائل… خاصة أولئك المحاصرين وسط الحروب أو الفارين بانتظار خمود لهيبها ، فالكل قد تعب وأنهك ودمر ، فما مر على الشعب السوري يفوق ما مر على غيره من شعوب في التاريخ الحديث … وأغلبية الديبلوماسيين يتحدثون بلباقة وسذاجة عن حل سياسي لسوريا من دون أي افق ولا جدية ، بينما يتحدث العارفون بوقائع الأمور عن موت سوريا وفوضى عارمة في المنطقة كلها ، التي تعيد بناء نفسها عبر تفككها أولا ، وهكذا وفي ظل غياب أي حل سياسي قريب ومنظور ومقبول ، فإن الأحداث تتجه للحسم العسكري ، أو بالأصح لاستمرار وتطور الحرب تبعا لقدرات القوى المتصارعة ومصالح الدول الداعمة لها …
ولمعرفة مصير سوريا القريب لا بد من استشعار التطورات الجارية على الأرض ، واستكشاف مواقف الدول المعلنة والمبطنة ، و حساب العوامل التي استطاعت اثبات فعاليتها …. فالقضية ليست سرقة معلومة أو سر من جهة أو دولة ولا اعتماد تصريح من مسؤول ، ولا ضربا من التنجيم ، لأن ما يجري في المنطقة هو تفاعل عنيف خارج عن السيطرة بعد تفعن دام طويلا ، وهو أكبر من قدرة أي دولة ، وأصعب من أن يحدث بقرار ، وأصعب من أن يدار من الخارج بدون الأخذ بعين الاعتبار تكوين المنطقة التاريخي وقواها الراهنة …
والعامل الأول الذي يجب أن يحسب حسابه فعلا هو الشعب السوري الذي استطاع تحطيم كل التفاهمات ، والعامل الثاني هو المنظمات الجهادية التي استفادت من مناخ الحرب وتكيفت معه بل أبدعت فيه وفاق أداؤها كل الحسابات ، والعامل الثالث هو الدول الفاعلة المتدخلة في الحرب من جهة النظام ومن جهة المعارضة …
وعلى العالم ان يفكر في ما اذا كان انشاء دولة أو دولتين ارهابيتين يصب في مصلحته أم لا، وان يتخذ بعدها القرار المناسب”، في اشارة الى “دولة الخلافة” التي اعلنها تنظيم “الدولة الاسلامية داعش” في سوريا والعراق قبل سنة و”الامارة الاسلامية” التي تطمح “جبهة النصرة” الى انشائها في شمال سوريا.
واستناداً الى الخبير الفرنسي في الشؤون السورية فابريس بالانش، يعيش ما بين عشرة و15 في المئة من السكان في مناطق خاضعة لسيطرة تنظيم “الدولة الاسلامية” ، وما بين 20 و25 في المئة لسيطرة “جبهة النصرة”، وما بين خمسة وعشرة في المئة لسيطرة الاكراد، فيما لا يزال نحو 50 الى 60 في المئة من السكان يعيشون في مناطق تحت سيطرة النظام السورى .
فقد السوريون خلال السنتين الماضييتين أغلب مقدرات التأثير وصناعة الفعل والمبادرة مما أدى إلى تحول الأزمة السورية إلى صراع مشاريع إقليمية وعالمية على أرض سوريا وبدماء أبنائها. وبالتالي لا يمكن اليوم محاولة استشراف أبعاد ومآلات الأزمة السورية دون قراءتها في سياق السياسات الدولية والإقليمية للدول الفاعلة, حيث لا يمتلك السوريون من قرار إيقاف الحرب أو استمرارها إلا الجزء اليسير. وهذا ما تؤكده معظم المؤشرات والأبحاث التي ترى أن رحى الحرب ستبقى مستمرة, طالما أن عجلة النزاع بين الأطراف الدولية والإقليمية مستمرة بالدوران. في الوقت الذي تملك روسيا فيه اليوم زمام المبادرة على الصعيد الدولي, بينما تعد إيران هي الفاعل الإقليمي الرئيس في الصراع الدائر.
التدخل العسكري الخشن لصالح أي طرف سيعمل على إيقاف دوران هذه العجلة، وبالتالي سيؤدي إلى تحويل شكل الصراع أو كبحه، كما حصل قبل ذلك في البوسنة وكوسوفو. إلا أنه و في غياب هذا التدخل الخشن والذي يبدو مستبعدا في الوقت الراهن قد تستمر الحرب لسنوات طويلة أخرى, مالم يحدث تغيير جذري مفاجئ لدى أحد طرفي الصراع, وذلك ما يؤكده “ماكس فيشير” في مقاله في أكتوبر الماضي حيث استند فيه للعديد من دراسات مراكز أبحاث مختلفة.
في ظل هذه الظروف تبقى إرادة الشعب السوري في التغيير هي المحرك الأساسي والعامل الأهم في استمرار معركة التغيير في سوريا. في حين لم يبقى خيارات أمام القوى الفاعلة فيها سوى السعي لبلورة رؤيا متكاملة سياسيا وعسكريا من خلال صياغة برنامج عمل يعتمد على القدرات الذاتية ويسعى لاستقطاب أوسع طيف ممكن من الكفاءات والمكونات الفاعلة. هذا يتطلب بدوره السعي لبناء مؤسسات وطنية فاعلة قادرة على إنتاج السياسات وصناعة التوافقات والبناء على القواسم المشتركة. ويبدو أنه حتى ذلك الحين سيتوجب على السوريين أن يراكموا الخبرات ويخوضوا تجربتهم المؤلمة على طريق الحرية، والسعي نحو إنجاز التغيير.